-A +A
عبده خال
ذات مرات ذكرت من الأهمية بمكان التريث عند سماع قصة تتعلق بشخصية عامة ماتت.

فالميت لا يستطيع تكذيب أي ادعاء يلصق به.


وأي شخص مشهور لا يستطيع كتابة سيرته المطلقة، فالحياة والعلاقات والمصالح أسرار خاصة.

ولكل إنسان سر ما، يقبر مع صاحبه، إلا أن بعض الأصدقاء يتجرأون على الموتى، بكشف سر أو اختلاق حكاية على أنها سر ائتمنه عليه صديقه المتوفى، فأفشاه!

وفِي الإفشاء: اختلاق أو سر، يكون المتحدث قد سكنته الخسة وغدا مجروح الوفاء.

وفِي السر الذي أذاعه سليم بركات عن محمود درويش وعن الابنة التى طواها درويش بين حنايا ضلوعه ولَم يفصح عنها، يكون سليما كنابش القبور، وقد أكل لحم درويش ميتا.

ولنمضِ على أنه سر، وليس اختلاقا، فما الجدوى من إذاعته؟

هل سيضيف سليم بهذا السر قصيدة لديوانه القادم؟

أم رق قلبه لفتاة أودعها الحب في رحم امرأة، فأراد توكيد نسبها لشاعر عظيم؟

والذي يعرفه سليم بركات أن درويشا كان مهوى أفئدة النساء، فهل كل امرأة مرت بدرويش قد بذر في رحمها فتاة؟

وهذا يستدعي من سليم أن يكون وفيا بحيث ينسب كل فتاة لأبيها درويش!

لتصبح لمحمود قبيلة من الأبناء الذين رحل عنهم أبوهم من غير أن يفصح عنهم!

إن التشويه لا يليق بدرويش ولا بسليم، فالحياة التي عبرتهما أصبحت أمانة لدى الماضي، واستجلاب الميت بسر من الأسرار يعد جريمة أخلاقية لن توقع العقوبة المادية على الفاشي وإنما تجعله منتقصا من قبل المتلقين.

أستطيع استيعاب الإفشاء إذا كانت الفتاة محتاجة لإثبات نسبها، أما وهي في تجاويف الأسرار يكون سليم نابشا لقبور الأسرار، ومحدثا جريمة للفتاة التي لا تعرف أن درويش هو أبوها.

ومع أن درويش كان مطمعا للنساء إلا أنه كان عازفا عن الاقتران بامرأة، وفِي ظني أن الشاعر العاشق ليس له إلا امرأة في الخيال.

وأجدني ميالا لما قاله سمير عطا في زاويته عن هذه الحادثة، فقد قال:

(كان في محمود عاشق ضعيف، عاشق يخاف دائماً أن المرأة التي تطارده تخونه مع سواه. أما هو، فبدل أن يخونها، كان يقول لها: «لقد أصبحت أشعر نحوكِ بحب أخوي»).

وبين الخشية من الخيانة وإفشاء السر كان من الواجب إغلاق الحنك قبل مغادرة جمل لها شفار حادة تقتل الحي والميت معا.

كاتب سعودي

abdookhal2@yahoo.com